الحروب في العالم العربي ليست مجرد معارك عسكرية، بل كوارث إنسانية واجتماعية عابرة للحدود والجغرافيا. آثارها تتغلغل في عمق المجتمعات، لتشوه ملامح الحاضر وتثقل كاهل المستقبل. من العراق وسوريا إلى اليمن ولبنان، تكررت السيناريوهات التي كشفت كيف تدمر الحروب نسيج المجتمعات وتخلق تحديات طويلة الأمد يصعب تجاوزها.
حين تشتعل نيران الحرب، لا تبقى محصورة في ساحات القتال. تأثيرها يمتد ليصل إلى المدن الآمنة، يخلق موجات من اللاجئين والنازحين، ويعطل سبل العيش. الحرب السورية، على سبيل المثال، لم تقتصر على أرض المعركة، بل امتدت لتؤثر على دول الجوار مثل لبنان والأردن وتركيا، حيث تحملت هذه الدول أعباء استقبال ملايين اللاجئين.
الحروب تمزق الروابط التي كانت تجمع الناس. في لبنان خلال الحرب الأهلية (1975-1990)، تحول الجيران إلى خصوم، والعائلات إلى ضحايا للانقسامات الطائفية. في اليمن، النزاعات المستمرة منذ سنوات جعلت المجتمعات الريفية والحضرية تعيش في خوف دائم من الآخر، وهو ما أدى إلى انهيار التماسك الاجتماعي.
تُجهز الحروب على الاقتصادات الوطنية، فتدمر البنى التحتية وتُفقد الناس وظائفهم. العراق بعد 2003 مثال واضح، حيث أدت الحرب والاضطرابات إلى انهيار قطاعات حيوية مثل الصناعة والزراعة، مما دفع ملايين العراقيين إلى الفقر. في اليمن، وصلت الأزمة الاقتصادية إلى حد المجاعة، إذ بات 80% من السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية.
في سوريا واليمن، أصبحت المدارس أهدافًا للقصف أو ملاجئ للنازحين. ملايين الأطفال حُرموا من التعليم، مما يعني أن جيلاً كاملاً يواجه خطر النمو في ظل الأمية والجهل. وفق تقارير الأمم المتحدة، أكثر من 2.4 مليون طفل سوري خارج النظام التعليمي، وهو رقم يهدد استقرار مستقبل المنطقة.
الحروب تترك ندوبًا خفية على الأرواح والجسد. في غزة، يُعاني الأطفال من اضطرابات نفسية حادة بسبب القصف المتكرر. أما في العراق واليمن، فإن الأعداد الكبيرة من المدنيين الذين فقدوا أطرافهم أو تعرضوا لإصابات بليغة تعكس حجم المعاناة الإنسانية.
من سوريا إلى السودان، دفعت الحروب ملايين البشر إلى ترك منازلهم. في سوريا وحدها، نزح أكثر من نصف السكان، وأصبح اللاجئون السوريون مشهدًا مألوفًا في دول مثل تركيا ولبنان والأردن. في السودان، تصاعدت الأزمة الإنسانية مع نزوح الآلاف إلى دول الجوار بحثًا عن الأمان.
رغم الألم، هناك أمل. تجربة إعادة الإعمار في لبنان بعد الحرب الأهلية تقدم نموذجًا يُظهر أن المجتمعات يمكنها النهوض من جديد، وإن كان بتحديات كبيرة. في العراق، ورغم الأزمات، تسعى الجهود الحكومية والشعبية إلى إعادة بناء البنية التحتية ودعم التعليم.
الحروب تعلمنا أن الحلول العسكرية لا تخلق سوى المزيد من الأزمات. لا يمكن تجاوز آثار الحرب إلا بالعمل على بناء السلام، دعم التعليم، الاستثمار في الصحة النفسية والجسدية، وتعزيز قيم التسامح والتعايش.
الحرب لا تعترف بالحدود، لكن السلام أيضًا لا يحتاج إلى حدود. إذا اختار كل فرد أن يسهم في تعزيز ثقافة السلام، يمكن للمنطقة أن تتحرر من أوزار الماضي وتبدأ عهدًا جديدًا من الاستقرار والازدهار.
وليد النوري