قصة قصيرة
في حيٍّ عتيقِ الشوارع، حيثُ الجُدرانُ نحاسيةٌ تتنفَّسُ صدأ الذكريات، عاشَ طفلٌ اسمه نبيل، يُكنى بـ"جامع الظلال". كان نبيل يتجوّلُ بين الأزقة الضيقة حاملاً قارورة زجاجية ملونة، يلتقطُ فيها ظلالَ المارةِ سرًّا. ظِلُّ العجوز الحزين، وظلُّ البائعةِ الضاحك، وظلُّ القططِ الشاردة. يحتفظُ بها جميعاً كأسرارٍ مُعلَّقةٍ في شرنقة الضوء.
ذات مساءٍ، بينما كان يُطاردُ ظلًّا متعرجاً قربَ المقبرة، صادفَ رجلاً عجوزاً يجلسُ على كرسيٍّ خشبيٍّ، ظلُّه أسودُ وكثيفٌ كحبرِ الليل. قال الرجلُ بصوتٍ أجشّ: "أتَعرفُ لماذا ظلِّي ثقيلٌ هكذا؟ لأنّه يحملُ ظلالَ مَنْ فقدتهم."
أخرج نبيل قارورتَه بهدوء، فانزلق الظلُّ الأسودُ داخلها كدخانٍ مُتلبِّد. ابتسم العجوز للمرّة الأولى منذ سنوات، بينما احتوت عينا الطفلِ بريقاً غريباً.
في اليوم التالي، شوهدَ نبيلُ يسيرُ نحو النهر، ظلُّه الآن أطولُ وأثقل، يحملُ في يدِه قارباً ورقياً أحمرَ لم يكُنْ معه من قبل.
وليد النوري
#جامع_الظلال
#الذاكرة_والفقدان
#أدب_الطفل_الخالد
#تأملات_إنسانية